ذات الرداء الأحمر !
لا اشعر بالراحة...
في الحقيقة لم اشعر بها أبدا...
لا تتعجبوا...
كل هذا بسبب حلم مرعب يهاجمني كلما حاولت أن أستريح...
الصور الغامضة تسبح في ثنايا عقلي المجهد...
تشغل تفكيري ثم لا تلبث أن تتلاشى في أعماق عقلي اللاواعي مخلفة وراءها رعبا مبهما وحيرة اشد منه...
لا أكاد أغمض عيني حتى تبدأ تفاصيله المرعبة...
من تلك الفتاة الصغيرة ذات الرداء الأحمر التي تظهر لي؟
هل أنا احلم أم إنني يقظ أتخيل؟...
لماذا تظهر لي دائما؟...
هل لي علاقة بها؟...
من أنا؟...
بل ما أنا؟...
هل أنا بشري؟...
نعم إنني بشري أو على الأقل هذا ما اشعر به...
كلا... الأمر محير...
ما علاقتي بتلك الصغيرة ذات الرداء الأحمر؟...
على الرغم من خوفي منها إلا أن هناك شيء يجذبني إليها...
شيء ما لا أدرك كنهه ولا اعرفه يناديني أن اذهب إليها...
لقد نشأت وصور كثيرة تجتاح عقلي مسببة لي مزيدا من الحيرة...
ولكن عقلي يحاول دائما التركيز على صورة واحدة فقط: الطفلة ذات الرداء الأحمر...
فجأة! أشرق ضوء أمامي وأغشى عيني بقوة حتى شعرت أنهما صارتا كجمرتين قبل أن يذوي بعيدا كاشفا عن ظل شاحب لرجل يقف فوقي ويقول لي: ستكون مميزا بين الرجال.
صرخة قوية شقت الصمت المخيم على المكان وانتزعتني من أحلامي وتركتني راقدا وحيدا في الظلام...
حبة عرق باردة بدأت في النزول مستكشفة تجاعيد جبيني وتتسلل إلى جانب عيني...
مددت يدي تلقائيا ومسحتها...
اعتدلت من رقدتي وقلبي يدق بعنف يكاد يقفز خارج صدري...
دق جرس هاتفي الجوال (المحمول) الموضوع على الطاولة القريبة والتي لا تبعد عني أكثر من نصف متر...
تحركت يدي تلقائيا ناحية الهاتف ولكني توقفت متسائلا...
هل كان يدق طوال الوقت أم الآن ابتدأ؟
تغلبت على ما يعتمل في نفسي وأجبت الهاتف بسرعة...
شعرت بالفرح لأن رنين الهاتف كسر حاجز الصمت...
كان صوت المتحدث عميقا ويتحدث بسرعة ...
لم يكن المتحدث خائفا وإنما كانت كلماته قصيرة وحادة ولا تحمل أي نوع من الدفء...
لما يكن المتحدث سوى الملازم حسام الذي قال:
- لدينا موقف ... اذهب إلى مقر القيادة والملازم محمود والملازم فاتن في طريقها إلى هناك. لدينا موقف خطير جندي خارق ومجموعة من الجنود المستنسخين قد خرجوا عن السيطرة. عليك تصديق ذلك فالتدريبات قد انتهت وحان وقت العمل الحقيقي.
وقبل أن افتح فمي لأرد كان الخط قد أغلق...
أغلقت الهاتف ووضعته على الطاولة...
وقفت لدقيقة أو دقيقتين أحاول استيعاب الرسالة التي وصلتني...
وفجأة أدركت أن الحلم الذي أراه إنما مجرد ذكرى قديمة لشيء حدث معي...
تجاهلت أمر الحلم وحملت أغراضي واتجهت ناحية الباب...
***
لم تمض نصف ساعة حتى وصلت إلى غرفة التحكم في مقر القيادة التابعة لدائرة التحقيقات العلمية. وجدت هناك الملازم محمود وهو رجل طويل القامة يبدو عليه انه واجه الكثير في حياته فنظراته تدل على اتزانه وتيقظه وإدراكه لما يحدث. كان الملازم محمود جالسا يحدق في شاشة كمبيوتر أمامه عندما مسح رأسه بيده. أصدرت صوتا خفيفا ليعلم الجميع بوصولي ودخلت الغرفة. كان في الغرفة غير محمود رجل وامرأة. عندما دخلت استدارت المرأة مرحبة وعلى وجهها ابتسامة عذبة. كانت المرأة واسمها فاتن جميلة حقا بشعر معقود من الخلف. وضعت فاتن يدها على خصرها النحيل واستدارت إلى شاشة الكمبيوتر التي كان ينظر إليها محمود. وقع نظري على الشاشة عندما عرضت صورة ضوئية لرجل يسير ببطء في ممر طويل. اقتربت منها محاولا التعرف على وجه الرجل...
على الرغم من عدم وضوح الصورة إلا إنني شعرت أن وجه الرجل مألوف وان لم استطع أن أتعرفه...
ولكن المنظر الذي أثار دهشتي هو تلك المجموعة من الرجال المسلحين الذين أظهرتهم الشاشات يسيرون خلف ذلك الرجل الغريب...
فهؤلاء الرجال كما تظهر الشاشة لا يبدو عليهم أنهم أحياء...
كانوا يرتدون زيا واقيا من الرصاص وعلى ظهورهم دائرة سوداء اللون تحمل في داخلها رسما يشبه حرف (S) الانجليزي بلون ذهبي ومثلها على صدورهم لكن بمساحة اصغر بكثير....
كنت أتابعهم باهتمام وادرس الموقف عندما دخل حسام الغرفة من خلفي...
من الواضح أن حسام هذا لا يمكن أن يكون جنديا ...
كل شيء يدل على ذلك...
طريقة جلوسه...
ولباسه وقبعته التي يضعها على رأسه
كلها تقول أن حساما هذا من النوع الذي يقضي وقته خلف الأبواب المغلقة ويقود العمليات...
ومع ذلك فهو يحمل رتبة ملازم...
المظاهر خداعة كما يقولون...
هززت رأسي تحية لحسام ثم عدت لدراسة الرجل الغريب على شاشة العرض...
لماذا اشعر بالألفة ناحيته؟...
هذا أمر عجيب...
أنا لم التق به من قبل فلماذا اشعر انه قريب مني؟
إنني لم اكلمه ولم أتعرف به فما سر تلك المشاعر؟
ما الذي يحدث؟...
الأمور متشابكة والوضع معقد...
آلاف الأسئلة تحتشد في عقلي تكاد تدفعني إلى إلقائها أمام الرجلين والمرأة ولكني كتمت ما في داخلي عندما صدمني منظر مروع رأيته على الشاشة...
كان الرجل الغريب يأكل جسد احد ضحاياه...
مزق جسد الضحية بيديه فتطايرت الدماء على الجدران البيضاء اللون...
ورأيت الرجل الغريب وقد التقط قطعة من الجثة واكلها والدماء تتساقط من بين أصابعه وجوانب ذقنه...
شعرت بارتعاش في جسدي من فظاعة المنظر ولمحها حسام...
قال حسام: هذا الرجل يدعى عاصم مراد...
التفت إليه محمود وفاتن وهو يلقي بما لديه من معلومات...
قال حسام: عاصم هو الحل. إذا تمكنا من احتوائه والسيطرة عليه تمكنا من احتواء الموقف بأكمله..
هززت رأسي . قالت فاتن: ما قصة عاصم؟
فتح حسام الملف الموجود أمامه والتقط ورقة وبدأ يقرأ محتوياتها: انه ملك لمؤسسة ساتورن للأبحاث العلمية...
قالت فاتن: ماذا تقول؟ ملك للمؤسسة؟ كيف ذلك؟
تنهد حسام وقال: هناك عقد مع الجيش لتطوير جيش من المستنسخين يستجيبون لقائد ذو قدرات عقلية ونفسية خارقة...
التفت حسام إلي وغمزني وقال: سيبقى الأمر تحت بند السرية المطلقة لان عاصم احد هؤلاء القادة...
قال محمود: وما الميزة في ذلك؟
قال حسام: لا يحتاج عاصم إلى أي وسيلة اتصال كي يرسل لجيشه هذا أوامره وليس بالضرورة أن يكون موجودا مع ذلك الجيش في نفس المكان.
قالت فاتن: تقصد اتصالا تخاطريا؟
قال حسام: هو كذلك يا عزيزتي..
هز محمود رأسه وعقد يديه على صدره وقال: يبدو انك تمزح...
حملت ابتسامة حسام سخرية واضحة وهو يقول: لهذا لا يأخذ احد بكلامنا هذا على محمل الجد... جيش المستنسخين؟
شعر حسام بالاستياء فنهض واقفا وخطورة الموقف تبدو واضحة على محياه...
قال حسام : إنهم كتيبة كاملة ممتازة التدريب عالية التسليح بتقنيات متقدمة.
هز محمود رأسه مرة أخرى غير مصدق...
ما أراه محير جدا...
ولكن مهلا...
هل هناك من رابط بين عاصم وتلك الصغيرة ذات الرداء الأحمر...
لماذا اشعر بالانجذاب نحوهما؟...
هل من تفسير لذلك؟...
علي الذهاب إلى ذلك الرجل محاولا كشف شخصيته وعلاقته بي إن كان هناك علاقة...
هتفت فاتن: كتيبة؟ وماذا عسانا أن نفعل لو واجهنا الآلاف من أمثال هؤلاء الجنود؟...
شعرت فاتن بالاستياء بدورها...
قال حسام محاولا تلطيف الجو : إذا قضينا على عاصم ينتهي الأمر . ولحسن الحظ فإن النقطة الأساسية في المشروع هي إمكانية إعطاء القادة معلومات عن ارض المعركة بدون أن نضعهم في مواجهة الخطر... وهذا يعني أننا يمكن أن نحاصر هذا الوغد بدون أن نجتاز هذا الحشد الكبير من الجنود.
تنهد محمود وهز رأسه موافقا..
اجتاح الفضول عقل فاتن وهي تسأل: وكيف سنجده؟
قال حسام: لقد زرعت ساتورن في دماغه جهاز إرسال يمكن التقاط إشارته بالقمر الاصطناعي وهذا سيدلنا على مكانه.
قال محمود والسخرية المرحة تقطر من بين شفتيه: هذا جيد... هذا جيد...
التفت حسام إلي وقال: وماذا عنك أنت؟ هل أنت مستعد للعمل؟
هززت رأسي موفقا ولكني لم انطق لان محمودا قاطعني قائلا: ماذا تقول؟ هل ستضعه في الميدان؟
أشار إلي محمود بأصابع الاتهام ساخرا مني...
قال محمود: هل أنت مجنون؟ انه لم يمض عليه هنا سوى أسبوع واحد.
رفع حسام يده كي يصمت محمود وقال بحزم: لقد رأينا نتائج تدريباته وردود أفعاله خاصة سرعة الاستجابة فاقت كل توقعاتنا.
ابتسم حسام وقال بلهجة واثقة: انه يستطيع تدبر أمره...
هز محمود رأسه وقال: الأمر أمرك والشأن شأنك.
مدت فاتن يدها وأمسكت بذراع محمود وقالت: لا تقلق. سيكون بخير..
قال حسام منهيا الحوار: لنتحرك بسرعة فالوقت يداهمنا..
واتجه الثلاثة إلى مخزن الأسلحة وشرعوا في انتقاء ما يحتاجونه...
لم يمكنني أن أشاركهم خاصة حسام وفاتن في تفاؤلهم وثقتهم غير المحدودة في قدراتي ، فلقد وجدت أن الدورات في تعلم الهجوم والتدريبات على التحقيقات في الأمور غير الطبيعية المبنية على أساس المحاكاة غير مرهقة وأنا متأكد إنني لو واجهت أمرا استثنائيا حقيقيا فلم يكون الموقف سهلا.
أنهى الفريق الصغير استعداداته بعد أن تلقى التقارير عن المهمة. إنها صعبة على مثلي أن أكلف بمثل هذه المهمة في فريق المطاردة خاصة أنها الأولى بالنسبة لي ولكني رحبت بالأمر كونها فرصة لإظهار حسن تدريبي واثبات ثقتي بنفسي. ربما تختفي هذه الكوابيس التي تقلق راحتي عندما تنتهي هذه المهمة مع فريق المطاردة.
الموضوع الأصلي :
ذات الرداء الأحمر ! المصدر :
منتدى هواميركول الكاتب: هتلر2010